أعرف المهندس الزراعي صبحي الفحماوي منذ زمن «هاني بعل الكنعاني»!، وهذا عنوان روايته الجديدة، وقد بدأت صداقتي معه عندما كان مهندسا زراعيا مختصا في تصميم وهندسة الحدائق، وكان مبدعا في هذا التخصص، وخلال عمله في هذا الحقل نجح بتصميم آلاف الحدائق، تضم نحو مليون شجرة وغيرها ملايين الورود والشجيرات.
غبت عن الأردن للعمل في قطر لمدة ثماني سنوات، فجأة لاحظت فحماوي ينتقل الى عالم الأدب، وبلغ انتاجه منذ عام 2005 عندما نشر روايته الاولى «عذبة» عشر روايات، وثماني مجموعات قصصية وسبع مسرحيات، وكتب عن إنتاجه الأدبي والفكري عشرات الكتب والرسائل الجامعية في عديد البلدان العربية.
لا تناقض بين الزراعة والثقافة، ذلك أن الأدب ليس مهنة حرفية، بل هو موهبة تتغذى بالقراءة وإمعان الفكر، ورؤية وتحليل الحراك في الحياة بطريقة مختلفة، ونثرها في كلمات كالمطر الذي يروي الأرض والإنسان.
ورغم انشغاله في حقل الأدب لكن فحماوي لا يزال يعشق بناء الحدائق وزرعها بالورود، بل لعلها تلاحقه في عناوين وتفاصيل أعماله الأدبية، وفي ما يكتبه في صفحته على «الفيسبوك»، واختار لإحدى رواياته عنوان «حدائق شائكة»، التي تتحدث عن نكسة عام 1967 وتداعياتها، وهو ما التقطته الناقدة دلال عنبتاوي خلال ندوة عقدت مؤخراً، حيث لاحظت أن الإهداء الذي كتبه فحماوي للرواية، جاء متناسقاً مع حبه للأشجار فقال: «إلى الأشجار التي تتساقط أوراقها الخريفية دنانير ذهبية تفر من البنان».
وهذا يدل كما تقول عنبتاوي على عشق فحماوي للأشجار.. ليس لأفرعها وأوراقها الخضراء فحسب، وإنما هو يعشق كل شيء في الشجرة حتى أوراقها الصفراء المتساقطة».
ولاحظت أن صفحته على «الفيسبوك» تشبه حديقة زهور، إذ يكثر من كتابة منشورات تتغزل بالورد والزهور، مثل «هذا اللون من زهور الجازانيا يهدئ أعصابي.. أحبه، إنه يدعو للمحبة». و"اليوم زهور الياسمين زرقاء مُنيّلةَ بزرقة البحر الفلسطيني اللبناني، الذي يسرقون نفطه».
لا أجد تناقضاً بين الهندسة الزراعية والمدنية وبين كتابة الرواية، ففي العمل الروائي يقوم الكاتب بإنتاج الشخصيات المتخيلة، وتوظيفها ضمن مسار «هندسي» للوصول إلى نهاية العمل، كما يحدث عند تصميم الحديقة بتحضير التربة أولاً، ثم زراعة الاشجار وتسميدها وريها وتقليمها ورشها لحمايتها من الأمراض..الخ.
لست ناقداً أدبياً لكنني لاحظت في رواية هاني بعل الكنعاني، أن «هندسة» شخصية بطل الرواية، أقرب إلى نسخة «رامبو» في السينما الأميركية، مع قناعتي بأن الصديق فحماوي استند في كتابة الرواية إلى مصادر تاريخية.
شاب صغير يقود جيشاً عرمرم للاستيلاء على روما، وسط ظروف جوية وجغرافية قاسية لا قدرة لجيش على تحملها، وفي معركة «تريبيا » خلال ساعات تمكن من سحق الجيش الروماني، إذ قتل منه حوالي «15» ألف جندي، إما في المعركة أو غرقاً في البحيرة، بينما كانوا يحاولون الفرار بما فيهم فلامينيوس قائد جيش الروم نفسه، أما خسائر القرطاجيين فكانت نحو 2500 جندي.. أمر يدعو للتساؤل!